الخطبة الأولى
أما بعد:
وطريقنا - أعني كل مسلم ومسلمة - يحبُ أن تشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي.
وكل مسلم ومسلمة يحب الخير والبر والمعروف والإحسان ومكارم الأخلاق.
أما القلوب فهي قلوبنا جميعاً، فنحن بحاجة لفن التعامل مع بعضنا البعض.
بحاجة إلى تعميق روابط الأخوة الإسلامية ومعانيها، نحن بحاجة -أيها الأحبة- إلى تحقيق القاعدة الشرعية:
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) كما في حديث أنس المتفق عليه.
بحاجة
إلى الحوار الهادئ والتعامل المهذب والاحترام المتبادل إلى أن نظهر محاسن
هذه العقيدة لنصبح نحن المسلمين قدوات لبعضنا، ومفاتيح خير لغيرنا من أهل
الملل والنحل.
بحاجة
إلى أن نكسب قلوب بعضنا وأن نكسب قلوب أهل الأديان الأخرى بصدق التوحيد
وحسن المعاملة وجميل الأخلاق لتذوق طعم الإيمان ولتعرف حقيقة الإسلام.
نريد أن نكسب القلوب ليس بالمجاملة ولا بالمداهنة ولا بتمييع ديننا ولا بتمزيقه ولا بالتنازل عن المبادئ والأهداف.
وإنما بمكارم الأخلاق، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) والحديث عند أحمد في المسند.
ولماذا كسب القلوب؟
ليس من أجل الدنيا، ولا متاعها ولا زخرفها ولا من أجل أنفسنا وإظهار محاسنها وتواضعها، لا والله.
بل ولا من أجل تملق الناس وطلب محامدهم وثنائهم.
إنما من أجل ربنا تعبداً وتقرباً، فإن الله يحب معالي الأخلاق، ويبغض سفسافها.
واتباعا لحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم فقد كان أحسن الناس خلقا.
وكسب لحب وقرب نبينا يوم القيامة كما قال صلوات الله وسلامه عليه: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً)) [حسنّه الترمذي].
وتطبيقا لتعاليم شرعنا وآداب ديننا قولاً وعملاً، وسراً وعلناً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((وخالق الناس بخلق حسن)).
وشوقاً للجنان وتثقيلاً للميزان يوم أن نلقى الله فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق)) [صححه الترمذي وقال غريب].
وما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن.
فتخلقاً وتأدباً وإيماناً، فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.
والله عز وجل يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [آل عمران:159].
إذا
فهذه الفضائل وأمثالها مما يحثنا ويشجعنا على اكتساب محاسن الأخلاق وتطبيع
نفوسنا عليها، إخلاصاً لوجه الله، وطلباً لرضاه فهي عبادة عظيمة وقربة من
أجل القُربات فإن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
كما في حديث عائشة وصححه الألباني *رحمه الله*.
إذاً فهذا طريقنا للقلوب، هذا هو طريقنا للقلوب، خططته لكثرة شكاية الناس بعضهم من بعض.
فالزوج
يشكو من سوء تعامل زوجه. والطالب يتظلم من أخلاق أستاذه. والموظف يتسخط من
رئيسه ومديره. والمكفول يئن ويتوجع من سوء تصرف كفيله. حتى الصاحب لم يسلم
من صاحبه وخليله.
فبحثت عن العلاج فكان هذا الموضوع. إذاً فهو رسالة إلى كل مسلم ومسلمة.
إلى
كل الطيبين والطيبات، إلى كل المعلمين والمعلمات. إلى كل الأزواج، إلى كل
موظف. إلى كل مسلم يسافر خارج البلاد. إلى كل أحد يحب أن يرى الألفة
والمحبة ترفرف على المجتمع الإسلامي.
أيها المسلمون، لنحرص على مكارم الأخلاق والتحلي بها وذلك بالصبر ومجاهدة النفس وترويضها أولاً.
وثانياً: بصحبة الصالحين والنظر في سيرهم وأخلاقهم.
وثالثاً:
بمداومة القراءة والإطلاع في كتب الأخلاق. "كالأدب المفرد" للبخاري،
"مكارم الأخلاق" لأبن أبي الدنيا وللخرائطي ،وكتب الشمائل وأخلاق النبي
صلى الله عليه وسلم.
ومن
أجمل الكتب المعاصرة التي وقفت عليها في هذا الموضوع "الأخلاق الفاضلة"
للرحيلي وهو كتاب جميل، و"هذه أخلاقنا" للخازندار، و"سوء الخلق" للحمد،
وغيرها كثير.
إذا فلنحرص على التحلي بالأخلاق ومن يتصبر يصبره الله.
فإن
أردت الوصول للقلوب، بل وإلى رضاء علام الغيوب سبحانه وتعالى فتنبه لهذه
النقاط الثلاث الماضية، ثم احرص على سماع هذا الموضوع وإسماعه مرات ومرات،
فإنما العلم بالتعلم، واستعن بالله وأكثر الدعاء والتضرع إليه: ((كما أحسنت خلَقي فأحسن خُلقي)) كما كان صلى الله عليه وسلم يقول، كما عند أحمد وصححه الألباني.
وقل: ((اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء)) كما في الترمذي وهو صحيح.
وقل أيضاً بل وردد في كل وقت ((اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) كما في صحيح مسلم.
فهذا أحسن الناس خلقاً والذي أثنى الله عليه فقال: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وإنك لعلى خلقٍ عظيم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[القلم:4]. لا يترك صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء والتضرع إليه أن يعينه
على تهذيب نفسه والتحلي بأحسن الأخلاق، فكيف بي وبك؟ بل كيف بنا جميعاً؟
فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بالله جل وعلا.
* العقيدة والأخلاق:
للأخلاق صلة وثيقة بالإيمان والعقيدة، قال ابن القيم رحمه الله: "الدين كله خُلق، فمن زاد عليك في الخُلقِ زاد عليك في الدين".
يقول
صاحب رسالة جميلة بعنوان "صلة الأخلاق بالعقيدة والإيمان": "إن المتمعن في
أحوال الناس يجد كثيراً من المسلمين يغفل عن الاهتمام والاحتساب في هذا
الجانب، وقد يجهل الصلة الوثيقة بين محاسن الأخلاق وقضية الإيمان
والعقيدة، فبينما تجد الشخص يظن أنه قد حقق التوحيد ومحض الإيمان تراه
منطوياً على ركام من مساوئ الأخلاق والنقائص التي تخل بإيمانه الواجب أو
تحرمه من الكمال المستحب، كالكبر والحسد وسوء الظن والكذب والفحش والأثرة
وغير ذلك، وقد يكون مع ذلك جاهلاً بضرر هذه الأمور على عقيدته وإيمانه أو
غافلاً عن شمولية هذا الدين لجميع مناحي الحياة، كما قال تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الأنعام:162-163].
إن
تحقيق التوحيد -الكلام لا زال لصاحب الرسالة- إن تحقيق التوحيد وتكميل
الإيمان ليس باجتناب الشرك الأكبر فحسب، بل باجتناب كل ما ينافي العقيدة
وكل ما يخل أو يقدح في كمال التوحيد والإيمان… "إلى آخر كلامه هناك.
إذا
فليست العقيدة متون تردد، ونصوصاً تحفظ بل لا بد أن تتحول إلى واقع عملي
في الحياة، والتعامل بين الناس، ولما حصل هذا التصور عند بعض الناس ظهر
انفصام نكد وازدواجية بين مفهوم الإيمان ومقتضياته، يأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى.
* واقعنا ومكارم الأخلاق:
إن الناس اليوم في عرض الأرض وطولها بحاجة إلى من يقف
معهم ويعينهم وإلى من يزيل عنهم الهم والقلق، إلى من يدلهم إلى طريق
السعادة والراحة النفسية، بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة
والأمان.
حتى
وإن قامت الحضارات، وصنعت المخترعات، وتوالت الإنجازات فكل ذلك من أجل
سعادة الإنسان وتكريمه، لكن مع الأسف البشرية اليوم تغرق في بحر الدنيا،
يلهث الكثيرُ منهم وراء المال والتجارة، وراء الشهوات والملذات، وراء
الرياسة والريادة بأي طريق وبأية صورة ومهما كان الثمن، المهم الوصول
للمراد، وهذا هو الواقع الغالب على الناس اليوم -إلا ما شاء الله-.
في
خضم هذا اللهثان وفي وسط هذا الإغراق يتلفت البعض ليبحث عن المثل وعن
المبادئ وعن الأخلاق والآداب في صفوف الناس، ربما سمع عن التبشير وهو شعار
أعلنه المنصرون وتسموا به بل وتمثلوه وللأسف.
يقول
أحد الأخوة: "في يوم من الأيام كنت أراجع طبيباً في أحد المستشفيات، وكنت
أرى حسن تعامله وإظهار حرصه بالمريض وحالته، تبادر إلى ذهني أنه أحد
المنصرين فقد كنت أقرأ وأسمع عن وسائلهم وأساليبهم، يقول: لكني قطعت هذا
الخاطر أخذاً بحسن الظن خاصة وأنه عربي، وفي بلد مسلم، لكني عرفت فيما بعد
أنه يدين بالنصرانية وربما كان منصراً أو مبشراً كما يقولون" انتهى كلامه.
أيها الأخوة والأخوات: أليس المسلمون أولى بهذه التسمي "التبشير"؟ وبهذه الأخلاق؟ ألم يقل الحق عز وجل: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا))؟
ألسنا كمسلمين أولى بالتودد للناس؟ ألسنا أولى بالتحلي بالأخلاق وبث الأمل
في النفوس؟ لماذا هذا الجفاء والإعراض؟ وهذا التنفير والانقباض عند بعض
المسلمين؟
لقد
أثرت الماديات والحضارات على أخلاقنا وتعاملنا مع بعضنا بشكل كبير، حتى ظن
البعض أنه لا يمكن الجمع بين التقدم الحضاري والكسب المادي وبين التحلي
بالأخلاق والآداب، حتى قال أحدهم:
لئن كانت الدنيا أنالتك ثـروةً وأصبحت منها بعد عسرٍ أخا يسرِ
لقد كشف الإثراء عنك خلائقا من اللؤم كانت تحت سترٍ من الفقرِ
فإننا
لا نكاد نسمع عن ذي شرف أو تاجر أو منصب وقد تحلى ببعض الأخلاق والآداب
إلا ويتذاكره الناس إطراء ومدحاً وتعجباً أن يكون بمثل هذا المكان ويتمتع
بمثل هذه الأخلاق.
أيها
الأخوة: إن من ينظر ويقرأ عن دين الإسلام خاصة في باب الآداب والأخلاق
والمعاملات ليعجب أشد العجب من عظمة هذا الدين ودقة مراعاته للمشاعر
والعواطف، وحرصه على نشر المحبة والمودة.
اسمعوا لهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف)) [صحيح عند أحمد]. لماذا يأخذ بأنفه، وما علاقة الأنف بما صنع؟
إنها
عظمة هذا الدين ودقة العناية بمشاعر النفس، والحفاظ على أحاسيسها، يأخذ
بأنفه ليوهم من بجواره أن به رعافاً فلا يفتضح أمره فيُحرج ويخجل.
قال
الخطابي في بذل المجهود شرح سنن أبي داود قال: إنما أمره أن يأخذ بأنفه
ليوهم القوم أن به رعافاً، وفي هذا الباب من الأخذ بالأدب في ستر العورة
وإخفاء القبيح، والتورية بما هو أحسن وليس داخلاً في باب الرياء والكذب،
وإنما هو من باب التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس.
ارض للناس جميعاً مثل ما ترضى لنفسك إنما الناس جميعاً كلهم أبناء جنسك
غير عدل أن توخى وحشة الناس بأنسـك فلهم نفس كنفسك ولهم حس كحسك
من
ينظر للواقع يرى العجب في الإفلاس الأخلاقي الذي تعيشه كثير من المجتمعات
الإسلامية اليوم، بل هناك من انبهر بالحضارة الغربية فنقلها للمسلمين
بقضها وقضيضها وإيجابها وسلبها، ونحن مع دعاة التقدم والحضارة في
الاستفادة من التكنولوجيا والصناعة وكسب المهارات والخبرات.
لكننا
وعلى لسان كل مسلم صادق وغيور، لا وألف لا لاستيراد العادات والتقاليد
الغربية الانحلال الخلقي بإسم الحرية وحقوق المرأة، أما إقحام الفضيلة
والستر والعفاف ومكارم الأخلاق في التقدم والتخلف المزعوم فخدعة مكشوفة لا
تنطلي إلا على غافل ساذج في فكره دخل أو في قلبه مرض.
إن
في أخلاقنا وآدابنا كمسلمين بل وعادتنا وتقاليدنا كعرب ما يملأ قلوبنا
بالفخر والاعتزاز والرفعة والسيادة، فالله اختار لنا مقاماً عزيزاً
ومكاناً شريفاً فقال جل وعز: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [البقرة:143].
فأسألكم
بالله هل هذا المقام يناسب ما يفعله بعض الغافلين والغافلات من تشبه
وتقليد بأهل الكفر والشرك في عاداتهم ولباسهم وسيئ أخلاقهم؟
فأنت أيها المسلم يجب أن تكون متبوعاً لا تابعاً، وقائداً لا منقاداً بصفاء عقيدتك وثبات مبدئك، وتعاليم دينك السمحة، وحسن أخلاقك.
فلما لا نعتز بالشخصية الإسلامية؟ ولما لا نعلن للعالم كله أننا أهل دين وخُلق؟ وأن لنا صبغة خاصة تميزنا عن ما سوانا؟ هي: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَـٰبِدونَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [البقرة:138].
* الدعاة الصامتون:
إننا
نملك كنزاً عظيماً هو كنز الإيمان، لكنه الإيمان حقيقة لا صورة، الإيمان
الذي لامست حلاوته شغاف القلوب، فظهرت تلك الحلاوة على جوارح ذلك المسلم،
أقواله وأفعاله وصفاته، فيوم ذاق طعم الإيمان عرف حقيقة الاستقامة
والالتزام فأثر ذلك في سلوكه وصدقه ومعاملته.
يذكر
التاريخ لنا أن الإسلام وصل إلى جنوب الهند وسيلان وجزر المالديف وسواحل
الصين والفلبين وإندونيسيا وأواسط أفريقيا عن طريق تجار مسلمين لكنهم
مسلمون بحق، لم يؤثر عليهم بريق ولمعان الدينار والدرهم، بل تجسد الإسلام
في سلوكهم وأمانتهم وصدقهم، فأعجب الناس بهذه الأخلاق، فبحثوا وسألوا عن
مصدرها، فدخلوا الإسلام عن رغبة واقتناع.
إن من أكبر وسائل التأثير على النفوس هو التميز في الأخلاق المتمثل في القدوة الصالحة، بل هو أعظم وسيلة لنشر الإسلام في كل مكان.
ومن
تتبع سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وجد أنه كان يلازم الخلق الحسن في
سائر أحواله، وخاصة في دعوته إلى الله تعالى، فأقبل الناس ودخلوا في دين
الله أفواجاً، بفضل الله تعالى ثم بفضل خُلقه عليه الصلاة والسلام.
فكم
دخل في الإسلام بسبب خُلقه العظيم؟ فهذا يسلم ويقول: (والله ما كان على
الأرض وجه أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي).
وذاك
يقول: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً) تأثر بعفو النبي صلى
الله عليه وسلم، ولم يتركه على تحجير رحمة الله التي وسعت كل شيء بل قال
له: ((لقد تحجرت واسعاً)).
والآخر
يقول: (فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه)،
والرابع يقول: (يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشَ الفاقة)،
والخامس يقول: (والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني
وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي).
والسادس يقول بعد عفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه قال: (جئتكم من عند خير الناس) ثم يدعو قومه للإسلام فأسلم منهم خلق كثير.
والأمثلة كثيرة في سيرته صلى الله عليه وسلم.
كلُ الأمور تزول عنك وتنقضي إلا الثنـاءُ فإنـه لـك باقــي
ولو أنني خيرتُ ك،لَ فضيلـةٍ ما اخترت غير محاسن الأخلاقِ
ذكر لي أحد الأخوة أن
شباباً من العرب في إحدى الدول الغربية استأجروا غرفاً من عجوز غربية،
فلما انتهت مدة الإيجار رفضوا التسديد، وهربوا بحجة أنها كافرة، وأنهم أي
الكفار هم الذين نهبوا أموالنا كعرب.
سبحان
الله بأي منطق وأي عقلية يتعامل هؤلاء؟ إنه الهوى والجهل بتعاليم وآداب
هذا الدين، ألم يعقد العلماء أبواباً في كتب العقيدة والفقه في معاملة
المسلم لغير المسلم، ومعاملة المسلمين للمحارب وغير المحارب؟
كيف نريد أن نفخر بالإسلام ونحن أول من جهل أحكامه وتخلف عن آدابه؟
قال محدثي: وكنت
أرغب الإيجار من هذه العجوز فرفضت، خاصة عندما علمت أنني مسلم، وقالت:
أنتم أيها المسلمون لصوص، يقول: وسألتها عن سبب هذا الاتهام؟ فحدثتني
بقصتها مع هؤلاء الشباب، قال: فحرصت على تغيير هذه الصورة عنا كمسلمين،
وبعد محاولات وإغراءات وتعهدات بالدفع مقدماً وافقت على تأجيري ووافقت رغم
ارتفاع السعر، وسكنت ولا زلت أقدم لها العون وأظهر لها آداب الإسلام
وأجاهد نفسي على التحلي بالفضائل مع تذكيرها في بعض الأحيان بأن هذا من
آداب الإسلام، وأن ديننا يحثنا على هذه الأخلاق.
يقول فلما حان رحيلي وعند لحظة الوداع فإذا بها تقول لي ودمعتها على خدها: "يا بني وصية لك أن لا تموت إلا على هذا الدين".
رحم الله علي بن أصمع لما حضرته الوفاة جمع بنيه فقال: "يا بني عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم".
أيها
الأخ إنما الدنيا حديث فإن استطعت أن تكون منها حديثاً حسناً فأفعل، إننا
بحاجة إلى من يجسدون مبادئ الإسلام في سلوكهم، ويترجمون فضائله وآدابه في
حركاتهم وسكناتهم حتى مع الكفار.
فمن
أهم مظاهر علاقة المسلم بالكافر غير المحارب للمسلمين كف الأذى والظلم
وعدم التعدي عليه وعلى حقوقه، والتزام مكارم الأخلاق معه من الصدق
والأمانة وغيرها من أخلاق الإسلام الحميدة، وجواز إيصال البر والمعروف
إليه.
ففي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب أهدى حلة له إلى أخ له مشرك بمكة كانت قد جاءته من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي البخاري أيضا أن ابن عمر ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: (أهديتم لجارنا اليهودي؟) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
وإنما الإشارة لها لارتباطها بالأخلاق، لكن تنبه واحذر كل الحذر أن تختلط عليك الأمور.
ففرق
بين حسن المعاملة ومكارم الأخلاق والبر والإحسان للكافر غير المحارب وبين
الموالاة والمحبة والمودة له، أو تفضيله على أحد من المسلمين أو مجاملته
على حساب دينك وعقيدتك كتهنئتهم أو اهدائهم بمناسبة أعيادهم أو نحو ذلك،
فإن ذلك كله حرام لا يجوز.
وضابط
ذلك النصوص من الكتاب والسنة، وأقول أئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين،
فإن ما عنيت بهذا الموضوع معاملة المسلم للمسلمين، أما معاملته للآخرين من
أهل الملل والنحل فله أصوله وضوابطه.
* الأخلاق تصنع الأعاجيب:
إن
النفس أياً كانت ومهما بلغت من الانحلال والفساد والتجبر والعناد فإن فيها
خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول الأمر، فقط شيء من العطف على أخطائهم،
شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية به.
لنحاول - أيها الأخوة - تلمس الجانب الطيب في نفوسهم، ابتداؤهم
بالسلام، ابتسم لهم، أثني على الخير الذي فيهم، وقبل ذلك كن صادقاً
ومخلصاً غير متصنع ولا مجامل، عندها ستتفجر ينابيع الخير في نفوسهم،
وسيمنحوك حبهم وثقتهم مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، لقد جرب
ذلك كثيراً.
أذكر
أنني قابلت أحد هؤلاء فسلمت وابتسمت وأثنيت على صفة طيبة فيه، وأنا صادق،
فلن يعدم إنسان مزية حسنة تكون مفتاحاً لقلبه، فانكشف لي قلب لين رقيق
سرعان ما سالت دمعات على وجه تلطخ بسواد المعصية والشهوة، وكان قد شكا
جفاء بعض الناصحين وتعجلهم عليه.
أيها
الأخوة، كم نخطئ عندما نحكم على الآخرين بمجرد النظر للظاهر، فهذا عمرو بن
العاص يحدث عن نفسه فيقول: (لقد رأيتني وما أحد أشد بغض لرسول الله مني،
ولا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته).
وبعد
أن أسلم وعرفه عن قرب انقلب الحال فقال: (وما كان أحد أحب إلي من رسول
الله، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له،
ولو سألت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه) [كما في صحيح مسلم].
إننا
نظلم أنفسنا ونظلم الآخرين عندما نحقد على هؤلاء ونتخوف منهم، والحل هو أن
تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف على الآخرين، والصبر عليهم.
وباختصار إنها الأخلاق وفن التعامل مع الناس.
يا أهل القرآن، ألم نقرأ في القرآن قول الحق عز وجل: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [البقرة:83]. ألم نقرأ قول الحق: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الإسراء:53].
في الآية الأولى: قول حسن، وفي الثانية: أحسن.
فأين نحن من قول الحسن فضلاً على قول أحسن الحسن.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) [كما في صحيح مسلم].
فإذا كانت الرحمة والإحسان تصل إلى هذه الدرجة من الرفق وحسن التعامل حتى مع الحيوان، فكيف بالرحمة والإحسان مع بني الإنسان؟
قال
أحد الأخوة: في موسم للأمطار وأنا على سيارتي مررت بغدير ماء لم أنتبه له،
فتراشقت المياه على الجانبين، كان النصيب الأكبر منها لشباب جلسوا على
عتبة أحد الأبواب، ويا ليت شعري لو رأيت حالهم قد تبدلت، فالثياب البيضاء
كأنها سوداء، والشعرات السوداء خضبت بالطين والماء، فرجعت إليهم، فلم
أنتبه إلا على أصوات السب واللعان ومناداتي للرفس والطعان، يقول: فرجعت
إليهم مسلماً معتذراً متأسفاً، فيا سبحان مقلب القلوب، تحول السب واللعان
إلى ترحيب وسلام، ودعوة إلى الطعام بل إلى إخاء ووئام. انتهى كلامه.
فيا
أيها الأحبة، أقول باختصار إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب، نخطئ كثيراً عندما
نعتزل بعض الناس لأننا نشعر أننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو
أذكى منهم عقلاً.
قال رجل لعبد الله بن المبارك: عظني، قال ابن المبارك: "إذا خرجت من منزلك فلا يقعن بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك".
وليس
معنى هذا أن نتخلى عن مبادئنا ومُثلنا السامية، أو نتملق أو نجامل، لا
ولكنها الحكمة والموعظة الحسنة وفن التعامل مع الآخرين. هذا مقتبسُ من
رسالة بعنوان " أفراح الروح".
أيها المحب، انظر لفن التعامل ومحاسن الأخلاق ماذا تفعل.
هذا
عكرمة بن أبي جهل ورث عداوة الإسلام عن أبيه وقاتل المسلمين في كل موطن،
وتصدى لهم يوم فتح مكة ثم فر إلى اليمن، بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه
وسلم دمه.
فتأتي زوجه أم حكيم بعد إسلامها لرسول الله تطلب الأمان لزوجها فيقول لها - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم: ((هو آمن))، ويقول لأصحابه: ((يأتيكم عكرمة ابن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت)).
فيأتي
عكرمة بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيقول عكرمة: أشهد أن لا إله
إلا الله وأنك عبده ورسوله، وأنت أبر الناس وأصدق الناس، وأوفى الناس، أما
والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقها في الصد عن سبيل الله إلا
أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالاً في الصد عن سبيل الله إلا
أبليت ضعفه في سبيل الله.
لمسة
حانية من نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم نقلت ابن فرعون هذه الأمة
إلى صف أولياء الرحمن، وجعلته يندم هذا الندم، ويعزم هذا العزم، ويتحول
هذا التحول. إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب.
*همسة في أذن موظف
أيها
الموظف، أين كان موقعك، وفي أي مكان كنت، إنك لم تجلس على هذا الكرسي الذي
أنت عليه إلا من أجل خدمة الناس، وقضاء حوائجهم وأداء الأمانة التي
تحملتها، أفلا ترى أنك بحسن الاستقبال والابتسامة وإظهار الاهتمام
بالمراجع وحاجته تملك قلوب الآخرين حتى وإن لم تقض حاجتهم، وربما خرجوا من
عندك بنفس راضية ولسان يلهج بالثناء والدعاء بل ربما أثنوا عليك ورفعوا
ذكرك بكل مجلس، كل هذا وأنت لم تقض حاجتهم، بل ملكتهم بحسن الأخلاق، فكيف
لو استطعت قضاء حاجتهم وتيسير أمرهم.
أيها
الحبيب، انظر إلى هذه النتيجة التي وصلت إليها، كسبت القلوب، والذكر
الحسن، وقبل ذلك كله كسبت رضاء الله تعالى عز وجل، ألم يقل صلى الله عليه
وسلم: ((ابتسامتك في وجه أخيك صدقة))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((والكلمة الطيبة صدقة))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس أنفعهم للناس)).
إذا
فأنت أيها الموظف في عبادة وأنت على مكتبك، فقط استعن بالله وأخلص النية
الله، واتصف بمكارم الأخلاق، واحرص على نفع الناس وستجد التوفيق في الدنيا
والآخرة. ذكراً حسناً وجميلاً وحباً وتقديراً، هذا في الدنيا، وأجر كبير
من العليم الخبير في الآخرة، كل هذا من خلال عملك ووظيفتك، أجر وغنيمة،
والموفق من وفقه الله.
وربما
قلت: الناس لا يرضيهم إلا تلبية رغباتهم، وتنفيذ ما يريدون، بل ربما قلت:
إن ميزان الناس اليوم في الحكم على الآخرين هو مصالحهم الشخصية.
فأقول
لك: نعم هذه هو واقع الحال، ونحن لا نبرأ أنفسنا، ولكن أخي الحبيب هب أنك
بذلت لهم ما استطعت وتخلقت معهم بأحسن الأخلاق ولم يرضوا عنك، أليس حسبك
أن يرضى الله عنك، فإنه يعلم أنك قدمت وبذلت ما بوسعك، إذاً فأجرك على
الله.
وإن
لم يرض الناس فتذكر دائماً أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى
عنه الناس. فاحرص على فضائل الأخلاق وفن التعامل مع الناس فإن الرسول صلى
الله عليه وسلم يقول: ((خياركم أحاسنكم أخلاقاً)) [كما في البخاري ومسلم].
يا
من رزقه الله مكانة ووجاهة اعلم أن زكاتها الشفاعة والإعانة للمحتاجين على
أن لا يبخس بها حق الآخرين، فإن الشفاعات من أعظم العبادات إذا قصد بها
وجه الله.
كتب الحسن بن سهل كتاب شفاعة فجعل الرجل يشكره، فقال الحسن: يا هذا علام تشكرنا إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا، ثم أنشد يقول:
فرضت علي زكاة ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفع
فإذا ملكت فجد فإن لـم تسـتطع فاجهـد بوسـعك كله أن تنفع
أما بعد:
وطريقنا - أعني كل مسلم ومسلمة - يحبُ أن تشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي.
وكل مسلم ومسلمة يحب الخير والبر والمعروف والإحسان ومكارم الأخلاق.
أما القلوب فهي قلوبنا جميعاً، فنحن بحاجة لفن التعامل مع بعضنا البعض.
بحاجة إلى تعميق روابط الأخوة الإسلامية ومعانيها، نحن بحاجة -أيها الأحبة- إلى تحقيق القاعدة الشرعية:
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) كما في حديث أنس المتفق عليه.
بحاجة
إلى الحوار الهادئ والتعامل المهذب والاحترام المتبادل إلى أن نظهر محاسن
هذه العقيدة لنصبح نحن المسلمين قدوات لبعضنا، ومفاتيح خير لغيرنا من أهل
الملل والنحل.
بحاجة
إلى أن نكسب قلوب بعضنا وأن نكسب قلوب أهل الأديان الأخرى بصدق التوحيد
وحسن المعاملة وجميل الأخلاق لتذوق طعم الإيمان ولتعرف حقيقة الإسلام.
نريد أن نكسب القلوب ليس بالمجاملة ولا بالمداهنة ولا بتمييع ديننا ولا بتمزيقه ولا بالتنازل عن المبادئ والأهداف.
وإنما بمكارم الأخلاق، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) والحديث عند أحمد في المسند.
ولماذا كسب القلوب؟
ليس من أجل الدنيا، ولا متاعها ولا زخرفها ولا من أجل أنفسنا وإظهار محاسنها وتواضعها، لا والله.
بل ولا من أجل تملق الناس وطلب محامدهم وثنائهم.
إنما من أجل ربنا تعبداً وتقرباً، فإن الله يحب معالي الأخلاق، ويبغض سفسافها.
واتباعا لحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم فقد كان أحسن الناس خلقا.
وكسب لحب وقرب نبينا يوم القيامة كما قال صلوات الله وسلامه عليه: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً)) [حسنّه الترمذي].
وتطبيقا لتعاليم شرعنا وآداب ديننا قولاً وعملاً، وسراً وعلناً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((وخالق الناس بخلق حسن)).
وشوقاً للجنان وتثقيلاً للميزان يوم أن نلقى الله فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق)) [صححه الترمذي وقال غريب].
وما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلقٍ حسن.
فتخلقاً وتأدباً وإيماناً، فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.
والله عز وجل يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [آل عمران:159].
إذا
فهذه الفضائل وأمثالها مما يحثنا ويشجعنا على اكتساب محاسن الأخلاق وتطبيع
نفوسنا عليها، إخلاصاً لوجه الله، وطلباً لرضاه فهي عبادة عظيمة وقربة من
أجل القُربات فإن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
كما في حديث عائشة وصححه الألباني *رحمه الله*.
إذاً فهذا طريقنا للقلوب، هذا هو طريقنا للقلوب، خططته لكثرة شكاية الناس بعضهم من بعض.
فالزوج
يشكو من سوء تعامل زوجه. والطالب يتظلم من أخلاق أستاذه. والموظف يتسخط من
رئيسه ومديره. والمكفول يئن ويتوجع من سوء تصرف كفيله. حتى الصاحب لم يسلم
من صاحبه وخليله.
فبحثت عن العلاج فكان هذا الموضوع. إذاً فهو رسالة إلى كل مسلم ومسلمة.
إلى
كل الطيبين والطيبات، إلى كل المعلمين والمعلمات. إلى كل الأزواج، إلى كل
موظف. إلى كل مسلم يسافر خارج البلاد. إلى كل أحد يحب أن يرى الألفة
والمحبة ترفرف على المجتمع الإسلامي.
أيها المسلمون، لنحرص على مكارم الأخلاق والتحلي بها وذلك بالصبر ومجاهدة النفس وترويضها أولاً.
وثانياً: بصحبة الصالحين والنظر في سيرهم وأخلاقهم.
وثالثاً:
بمداومة القراءة والإطلاع في كتب الأخلاق. "كالأدب المفرد" للبخاري،
"مكارم الأخلاق" لأبن أبي الدنيا وللخرائطي ،وكتب الشمائل وأخلاق النبي
صلى الله عليه وسلم.
ومن
أجمل الكتب المعاصرة التي وقفت عليها في هذا الموضوع "الأخلاق الفاضلة"
للرحيلي وهو كتاب جميل، و"هذه أخلاقنا" للخازندار، و"سوء الخلق" للحمد،
وغيرها كثير.
إذا فلنحرص على التحلي بالأخلاق ومن يتصبر يصبره الله.
فإن
أردت الوصول للقلوب، بل وإلى رضاء علام الغيوب سبحانه وتعالى فتنبه لهذه
النقاط الثلاث الماضية، ثم احرص على سماع هذا الموضوع وإسماعه مرات ومرات،
فإنما العلم بالتعلم، واستعن بالله وأكثر الدعاء والتضرع إليه: ((كما أحسنت خلَقي فأحسن خُلقي)) كما كان صلى الله عليه وسلم يقول، كما عند أحمد وصححه الألباني.
وقل: ((اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء)) كما في الترمذي وهو صحيح.
وقل أيضاً بل وردد في كل وقت ((اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) كما في صحيح مسلم.
فهذا أحسن الناس خلقاً والذي أثنى الله عليه فقال: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وإنك لعلى خلقٍ عظيم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[القلم:4]. لا يترك صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء والتضرع إليه أن يعينه
على تهذيب نفسه والتحلي بأحسن الأخلاق، فكيف بي وبك؟ بل كيف بنا جميعاً؟
فإنه لا حول لنا ولا قوة إلا بالله جل وعلا.
* العقيدة والأخلاق:
للأخلاق صلة وثيقة بالإيمان والعقيدة، قال ابن القيم رحمه الله: "الدين كله خُلق، فمن زاد عليك في الخُلقِ زاد عليك في الدين".
يقول
صاحب رسالة جميلة بعنوان "صلة الأخلاق بالعقيدة والإيمان": "إن المتمعن في
أحوال الناس يجد كثيراً من المسلمين يغفل عن الاهتمام والاحتساب في هذا
الجانب، وقد يجهل الصلة الوثيقة بين محاسن الأخلاق وقضية الإيمان
والعقيدة، فبينما تجد الشخص يظن أنه قد حقق التوحيد ومحض الإيمان تراه
منطوياً على ركام من مساوئ الأخلاق والنقائص التي تخل بإيمانه الواجب أو
تحرمه من الكمال المستحب، كالكبر والحسد وسوء الظن والكذب والفحش والأثرة
وغير ذلك، وقد يكون مع ذلك جاهلاً بضرر هذه الأمور على عقيدته وإيمانه أو
غافلاً عن شمولية هذا الدين لجميع مناحي الحياة، كما قال تعالى: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الأنعام:162-163].
إن
تحقيق التوحيد -الكلام لا زال لصاحب الرسالة- إن تحقيق التوحيد وتكميل
الإيمان ليس باجتناب الشرك الأكبر فحسب، بل باجتناب كل ما ينافي العقيدة
وكل ما يخل أو يقدح في كمال التوحيد والإيمان… "إلى آخر كلامه هناك.
إذا
فليست العقيدة متون تردد، ونصوصاً تحفظ بل لا بد أن تتحول إلى واقع عملي
في الحياة، والتعامل بين الناس، ولما حصل هذا التصور عند بعض الناس ظهر
انفصام نكد وازدواجية بين مفهوم الإيمان ومقتضياته، يأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى.
* واقعنا ومكارم الأخلاق:
إن الناس اليوم في عرض الأرض وطولها بحاجة إلى من يقف
معهم ويعينهم وإلى من يزيل عنهم الهم والقلق، إلى من يدلهم إلى طريق
السعادة والراحة النفسية، بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم إلى طريق النجاة
والأمان.
حتى
وإن قامت الحضارات، وصنعت المخترعات، وتوالت الإنجازات فكل ذلك من أجل
سعادة الإنسان وتكريمه، لكن مع الأسف البشرية اليوم تغرق في بحر الدنيا،
يلهث الكثيرُ منهم وراء المال والتجارة، وراء الشهوات والملذات، وراء
الرياسة والريادة بأي طريق وبأية صورة ومهما كان الثمن، المهم الوصول
للمراد، وهذا هو الواقع الغالب على الناس اليوم -إلا ما شاء الله-.
في
خضم هذا اللهثان وفي وسط هذا الإغراق يتلفت البعض ليبحث عن المثل وعن
المبادئ وعن الأخلاق والآداب في صفوف الناس، ربما سمع عن التبشير وهو شعار
أعلنه المنصرون وتسموا به بل وتمثلوه وللأسف.
يقول
أحد الأخوة: "في يوم من الأيام كنت أراجع طبيباً في أحد المستشفيات، وكنت
أرى حسن تعامله وإظهار حرصه بالمريض وحالته، تبادر إلى ذهني أنه أحد
المنصرين فقد كنت أقرأ وأسمع عن وسائلهم وأساليبهم، يقول: لكني قطعت هذا
الخاطر أخذاً بحسن الظن خاصة وأنه عربي، وفي بلد مسلم، لكني عرفت فيما بعد
أنه يدين بالنصرانية وربما كان منصراً أو مبشراً كما يقولون" انتهى كلامه.
أيها الأخوة والأخوات: أليس المسلمون أولى بهذه التسمي "التبشير"؟ وبهذه الأخلاق؟ ألم يقل الحق عز وجل: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا))؟
ألسنا كمسلمين أولى بالتودد للناس؟ ألسنا أولى بالتحلي بالأخلاق وبث الأمل
في النفوس؟ لماذا هذا الجفاء والإعراض؟ وهذا التنفير والانقباض عند بعض
المسلمين؟
لقد
أثرت الماديات والحضارات على أخلاقنا وتعاملنا مع بعضنا بشكل كبير، حتى ظن
البعض أنه لا يمكن الجمع بين التقدم الحضاري والكسب المادي وبين التحلي
بالأخلاق والآداب، حتى قال أحدهم:
لئن كانت الدنيا أنالتك ثـروةً وأصبحت منها بعد عسرٍ أخا يسرِ
لقد كشف الإثراء عنك خلائقا من اللؤم كانت تحت سترٍ من الفقرِ
فإننا
لا نكاد نسمع عن ذي شرف أو تاجر أو منصب وقد تحلى ببعض الأخلاق والآداب
إلا ويتذاكره الناس إطراء ومدحاً وتعجباً أن يكون بمثل هذا المكان ويتمتع
بمثل هذه الأخلاق.
أيها
الأخوة: إن من ينظر ويقرأ عن دين الإسلام خاصة في باب الآداب والأخلاق
والمعاملات ليعجب أشد العجب من عظمة هذا الدين ودقة مراعاته للمشاعر
والعواطف، وحرصه على نشر المحبة والمودة.
اسمعوا لهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف)) [صحيح عند أحمد]. لماذا يأخذ بأنفه، وما علاقة الأنف بما صنع؟
إنها
عظمة هذا الدين ودقة العناية بمشاعر النفس، والحفاظ على أحاسيسها، يأخذ
بأنفه ليوهم من بجواره أن به رعافاً فلا يفتضح أمره فيُحرج ويخجل.
قال
الخطابي في بذل المجهود شرح سنن أبي داود قال: إنما أمره أن يأخذ بأنفه
ليوهم القوم أن به رعافاً، وفي هذا الباب من الأخذ بالأدب في ستر العورة
وإخفاء القبيح، والتورية بما هو أحسن وليس داخلاً في باب الرياء والكذب،
وإنما هو من باب التجمل واستعمال الحياء وطلب السلامة من الناس.
ارض للناس جميعاً مثل ما ترضى لنفسك إنما الناس جميعاً كلهم أبناء جنسك
غير عدل أن توخى وحشة الناس بأنسـك فلهم نفس كنفسك ولهم حس كحسك
من
ينظر للواقع يرى العجب في الإفلاس الأخلاقي الذي تعيشه كثير من المجتمعات
الإسلامية اليوم، بل هناك من انبهر بالحضارة الغربية فنقلها للمسلمين
بقضها وقضيضها وإيجابها وسلبها، ونحن مع دعاة التقدم والحضارة في
الاستفادة من التكنولوجيا والصناعة وكسب المهارات والخبرات.
لكننا
وعلى لسان كل مسلم صادق وغيور، لا وألف لا لاستيراد العادات والتقاليد
الغربية الانحلال الخلقي بإسم الحرية وحقوق المرأة، أما إقحام الفضيلة
والستر والعفاف ومكارم الأخلاق في التقدم والتخلف المزعوم فخدعة مكشوفة لا
تنطلي إلا على غافل ساذج في فكره دخل أو في قلبه مرض.
إن
في أخلاقنا وآدابنا كمسلمين بل وعادتنا وتقاليدنا كعرب ما يملأ قلوبنا
بالفخر والاعتزاز والرفعة والسيادة، فالله اختار لنا مقاماً عزيزاً
ومكاناً شريفاً فقال جل وعز: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [البقرة:143].
فأسألكم
بالله هل هذا المقام يناسب ما يفعله بعض الغافلين والغافلات من تشبه
وتقليد بأهل الكفر والشرك في عاداتهم ولباسهم وسيئ أخلاقهم؟
فأنت أيها المسلم يجب أن تكون متبوعاً لا تابعاً، وقائداً لا منقاداً بصفاء عقيدتك وثبات مبدئك، وتعاليم دينك السمحة، وحسن أخلاقك.
فلما لا نعتز بالشخصية الإسلامية؟ ولما لا نعلن للعالم كله أننا أهل دين وخُلق؟ وأن لنا صبغة خاصة تميزنا عن ما سوانا؟ هي: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَـٰبِدونَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [البقرة:138].
* الدعاة الصامتون:
إننا
نملك كنزاً عظيماً هو كنز الإيمان، لكنه الإيمان حقيقة لا صورة، الإيمان
الذي لامست حلاوته شغاف القلوب، فظهرت تلك الحلاوة على جوارح ذلك المسلم،
أقواله وأفعاله وصفاته، فيوم ذاق طعم الإيمان عرف حقيقة الاستقامة
والالتزام فأثر ذلك في سلوكه وصدقه ومعاملته.
يذكر
التاريخ لنا أن الإسلام وصل إلى جنوب الهند وسيلان وجزر المالديف وسواحل
الصين والفلبين وإندونيسيا وأواسط أفريقيا عن طريق تجار مسلمين لكنهم
مسلمون بحق، لم يؤثر عليهم بريق ولمعان الدينار والدرهم، بل تجسد الإسلام
في سلوكهم وأمانتهم وصدقهم، فأعجب الناس بهذه الأخلاق، فبحثوا وسألوا عن
مصدرها، فدخلوا الإسلام عن رغبة واقتناع.
إن من أكبر وسائل التأثير على النفوس هو التميز في الأخلاق المتمثل في القدوة الصالحة، بل هو أعظم وسيلة لنشر الإسلام في كل مكان.
ومن
تتبع سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وجد أنه كان يلازم الخلق الحسن في
سائر أحواله، وخاصة في دعوته إلى الله تعالى، فأقبل الناس ودخلوا في دين
الله أفواجاً، بفضل الله تعالى ثم بفضل خُلقه عليه الصلاة والسلام.
فكم
دخل في الإسلام بسبب خُلقه العظيم؟ فهذا يسلم ويقول: (والله ما كان على
الأرض وجه أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي).
وذاك
يقول: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً) تأثر بعفو النبي صلى
الله عليه وسلم، ولم يتركه على تحجير رحمة الله التي وسعت كل شيء بل قال
له: ((لقد تحجرت واسعاً)).
والآخر
يقول: (فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه)،
والرابع يقول: (يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشَ الفاقة)،
والخامس يقول: (والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني
وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي).
والسادس يقول بعد عفو النبي صلى الله عليه وسلم عنه قال: (جئتكم من عند خير الناس) ثم يدعو قومه للإسلام فأسلم منهم خلق كثير.
والأمثلة كثيرة في سيرته صلى الله عليه وسلم.
كلُ الأمور تزول عنك وتنقضي إلا الثنـاءُ فإنـه لـك باقــي
ولو أنني خيرتُ ك،لَ فضيلـةٍ ما اخترت غير محاسن الأخلاقِ
ذكر لي أحد الأخوة أن
شباباً من العرب في إحدى الدول الغربية استأجروا غرفاً من عجوز غربية،
فلما انتهت مدة الإيجار رفضوا التسديد، وهربوا بحجة أنها كافرة، وأنهم أي
الكفار هم الذين نهبوا أموالنا كعرب.
سبحان
الله بأي منطق وأي عقلية يتعامل هؤلاء؟ إنه الهوى والجهل بتعاليم وآداب
هذا الدين، ألم يعقد العلماء أبواباً في كتب العقيدة والفقه في معاملة
المسلم لغير المسلم، ومعاملة المسلمين للمحارب وغير المحارب؟
كيف نريد أن نفخر بالإسلام ونحن أول من جهل أحكامه وتخلف عن آدابه؟
قال محدثي: وكنت
أرغب الإيجار من هذه العجوز فرفضت، خاصة عندما علمت أنني مسلم، وقالت:
أنتم أيها المسلمون لصوص، يقول: وسألتها عن سبب هذا الاتهام؟ فحدثتني
بقصتها مع هؤلاء الشباب، قال: فحرصت على تغيير هذه الصورة عنا كمسلمين،
وبعد محاولات وإغراءات وتعهدات بالدفع مقدماً وافقت على تأجيري ووافقت رغم
ارتفاع السعر، وسكنت ولا زلت أقدم لها العون وأظهر لها آداب الإسلام
وأجاهد نفسي على التحلي بالفضائل مع تذكيرها في بعض الأحيان بأن هذا من
آداب الإسلام، وأن ديننا يحثنا على هذه الأخلاق.
يقول فلما حان رحيلي وعند لحظة الوداع فإذا بها تقول لي ودمعتها على خدها: "يا بني وصية لك أن لا تموت إلا على هذا الدين".
رحم الله علي بن أصمع لما حضرته الوفاة جمع بنيه فقال: "يا بني عاشروا الناس معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم".
أيها
الأخ إنما الدنيا حديث فإن استطعت أن تكون منها حديثاً حسناً فأفعل، إننا
بحاجة إلى من يجسدون مبادئ الإسلام في سلوكهم، ويترجمون فضائله وآدابه في
حركاتهم وسكناتهم حتى مع الكفار.
فمن
أهم مظاهر علاقة المسلم بالكافر غير المحارب للمسلمين كف الأذى والظلم
وعدم التعدي عليه وعلى حقوقه، والتزام مكارم الأخلاق معه من الصدق
والأمانة وغيرها من أخلاق الإسلام الحميدة، وجواز إيصال البر والمعروف
إليه.
ففي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب أهدى حلة له إلى أخ له مشرك بمكة كانت قد جاءته من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي البخاري أيضا أن ابن عمر ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: (أهديتم لجارنا اليهودي؟) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
وإنما الإشارة لها لارتباطها بالأخلاق، لكن تنبه واحذر كل الحذر أن تختلط عليك الأمور.
ففرق
بين حسن المعاملة ومكارم الأخلاق والبر والإحسان للكافر غير المحارب وبين
الموالاة والمحبة والمودة له، أو تفضيله على أحد من المسلمين أو مجاملته
على حساب دينك وعقيدتك كتهنئتهم أو اهدائهم بمناسبة أعيادهم أو نحو ذلك،
فإن ذلك كله حرام لا يجوز.
وضابط
ذلك النصوص من الكتاب والسنة، وأقول أئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين،
فإن ما عنيت بهذا الموضوع معاملة المسلم للمسلمين، أما معاملته للآخرين من
أهل الملل والنحل فله أصوله وضوابطه.
* الأخلاق تصنع الأعاجيب:
إن
النفس أياً كانت ومهما بلغت من الانحلال والفساد والتجبر والعناد فإن فيها
خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول الأمر، فقط شيء من العطف على أخطائهم،
شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية به.
لنحاول - أيها الأخوة - تلمس الجانب الطيب في نفوسهم، ابتداؤهم
بالسلام، ابتسم لهم، أثني على الخير الذي فيهم، وقبل ذلك كن صادقاً
ومخلصاً غير متصنع ولا مجامل، عندها ستتفجر ينابيع الخير في نفوسهم،
وسيمنحوك حبهم وثقتهم مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، لقد جرب
ذلك كثيراً.
أذكر
أنني قابلت أحد هؤلاء فسلمت وابتسمت وأثنيت على صفة طيبة فيه، وأنا صادق،
فلن يعدم إنسان مزية حسنة تكون مفتاحاً لقلبه، فانكشف لي قلب لين رقيق
سرعان ما سالت دمعات على وجه تلطخ بسواد المعصية والشهوة، وكان قد شكا
جفاء بعض الناصحين وتعجلهم عليه.
أيها
الأخوة، كم نخطئ عندما نحكم على الآخرين بمجرد النظر للظاهر، فهذا عمرو بن
العاص يحدث عن نفسه فيقول: (لقد رأيتني وما أحد أشد بغض لرسول الله مني،
ولا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته).
وبعد
أن أسلم وعرفه عن قرب انقلب الحال فقال: (وما كان أحد أحب إلي من رسول
الله، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له،
ولو سألت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه) [كما في صحيح مسلم].
إننا
نظلم أنفسنا ونظلم الآخرين عندما نحقد على هؤلاء ونتخوف منهم، والحل هو أن
تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف على الآخرين، والصبر عليهم.
وباختصار إنها الأخلاق وفن التعامل مع الناس.
يا أهل القرآن، ألم نقرأ في القرآن قول الحق عز وجل: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [البقرة:83]. ألم نقرأ قول الحق: وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [الإسراء:53].
في الآية الأولى: قول حسن، وفي الثانية: أحسن.
فأين نحن من قول الحسن فضلاً على قول أحسن الحسن.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) [كما في صحيح مسلم].
فإذا كانت الرحمة والإحسان تصل إلى هذه الدرجة من الرفق وحسن التعامل حتى مع الحيوان، فكيف بالرحمة والإحسان مع بني الإنسان؟
قال
أحد الأخوة: في موسم للأمطار وأنا على سيارتي مررت بغدير ماء لم أنتبه له،
فتراشقت المياه على الجانبين، كان النصيب الأكبر منها لشباب جلسوا على
عتبة أحد الأبواب، ويا ليت شعري لو رأيت حالهم قد تبدلت، فالثياب البيضاء
كأنها سوداء، والشعرات السوداء خضبت بالطين والماء، فرجعت إليهم، فلم
أنتبه إلا على أصوات السب واللعان ومناداتي للرفس والطعان، يقول: فرجعت
إليهم مسلماً معتذراً متأسفاً، فيا سبحان مقلب القلوب، تحول السب واللعان
إلى ترحيب وسلام، ودعوة إلى الطعام بل إلى إخاء ووئام. انتهى كلامه.
فيا
أيها الأحبة، أقول باختصار إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب، نخطئ كثيراً عندما
نعتزل بعض الناس لأننا نشعر أننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو
أذكى منهم عقلاً.
قال رجل لعبد الله بن المبارك: عظني، قال ابن المبارك: "إذا خرجت من منزلك فلا يقعن بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك".
وليس
معنى هذا أن نتخلى عن مبادئنا ومُثلنا السامية، أو نتملق أو نجامل، لا
ولكنها الحكمة والموعظة الحسنة وفن التعامل مع الآخرين. هذا مقتبسُ من
رسالة بعنوان " أفراح الروح".
أيها المحب، انظر لفن التعامل ومحاسن الأخلاق ماذا تفعل.
هذا
عكرمة بن أبي جهل ورث عداوة الإسلام عن أبيه وقاتل المسلمين في كل موطن،
وتصدى لهم يوم فتح مكة ثم فر إلى اليمن، بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه
وسلم دمه.
فتأتي زوجه أم حكيم بعد إسلامها لرسول الله تطلب الأمان لزوجها فيقول لها - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم: ((هو آمن))، ويقول لأصحابه: ((يأتيكم عكرمة ابن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت)).
فيأتي
عكرمة بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيقول عكرمة: أشهد أن لا إله
إلا الله وأنك عبده ورسوله، وأنت أبر الناس وأصدق الناس، وأوفى الناس، أما
والله يا رسول الله لا أدع نفقة كنت أنفقها في الصد عن سبيل الله إلا
أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالاً في الصد عن سبيل الله إلا
أبليت ضعفه في سبيل الله.
لمسة
حانية من نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم نقلت ابن فرعون هذه الأمة
إلى صف أولياء الرحمن، وجعلته يندم هذا الندم، ويعزم هذا العزم، ويتحول
هذا التحول. إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب.
*همسة في أذن موظف
أيها
الموظف، أين كان موقعك، وفي أي مكان كنت، إنك لم تجلس على هذا الكرسي الذي
أنت عليه إلا من أجل خدمة الناس، وقضاء حوائجهم وأداء الأمانة التي
تحملتها، أفلا ترى أنك بحسن الاستقبال والابتسامة وإظهار الاهتمام
بالمراجع وحاجته تملك قلوب الآخرين حتى وإن لم تقض حاجتهم، وربما خرجوا من
عندك بنفس راضية ولسان يلهج بالثناء والدعاء بل ربما أثنوا عليك ورفعوا
ذكرك بكل مجلس، كل هذا وأنت لم تقض حاجتهم، بل ملكتهم بحسن الأخلاق، فكيف
لو استطعت قضاء حاجتهم وتيسير أمرهم.
أيها
الحبيب، انظر إلى هذه النتيجة التي وصلت إليها، كسبت القلوب، والذكر
الحسن، وقبل ذلك كله كسبت رضاء الله تعالى عز وجل، ألم يقل صلى الله عليه
وسلم: ((ابتسامتك في وجه أخيك صدقة))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((والكلمة الطيبة صدقة))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس أنفعهم للناس)).
إذا
فأنت أيها الموظف في عبادة وأنت على مكتبك، فقط استعن بالله وأخلص النية
الله، واتصف بمكارم الأخلاق، واحرص على نفع الناس وستجد التوفيق في الدنيا
والآخرة. ذكراً حسناً وجميلاً وحباً وتقديراً، هذا في الدنيا، وأجر كبير
من العليم الخبير في الآخرة، كل هذا من خلال عملك ووظيفتك، أجر وغنيمة،
والموفق من وفقه الله.
وربما
قلت: الناس لا يرضيهم إلا تلبية رغباتهم، وتنفيذ ما يريدون، بل ربما قلت:
إن ميزان الناس اليوم في الحكم على الآخرين هو مصالحهم الشخصية.
فأقول
لك: نعم هذه هو واقع الحال، ونحن لا نبرأ أنفسنا، ولكن أخي الحبيب هب أنك
بذلت لهم ما استطعت وتخلقت معهم بأحسن الأخلاق ولم يرضوا عنك، أليس حسبك
أن يرضى الله عنك، فإنه يعلم أنك قدمت وبذلت ما بوسعك، إذاً فأجرك على
الله.
وإن
لم يرض الناس فتذكر دائماً أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى
عنه الناس. فاحرص على فضائل الأخلاق وفن التعامل مع الناس فإن الرسول صلى
الله عليه وسلم يقول: ((خياركم أحاسنكم أخلاقاً)) [كما في البخاري ومسلم].
يا
من رزقه الله مكانة ووجاهة اعلم أن زكاتها الشفاعة والإعانة للمحتاجين على
أن لا يبخس بها حق الآخرين، فإن الشفاعات من أعظم العبادات إذا قصد بها
وجه الله.
كتب الحسن بن سهل كتاب شفاعة فجعل الرجل يشكره، فقال الحسن: يا هذا علام تشكرنا إنا نرى الشفاعات زكاة مروءتنا، ثم أنشد يقول:
فرضت علي زكاة ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفع
فإذا ملكت فجد فإن لـم تسـتطع فاجهـد بوسـعك كله أن تنفع